نموّ الأطفال في زمن الكورونا: نستخدم الأدوات المتوفرة

السنوات الأولى في حياة كلّ طفل هي مصيرية لنموّه. فالاختبارات والتجارب التي يجتازها الولد في هذه السنين تصوغ حياته كبالغ. وحتى إذا بدا أنّ الحجر وحظر التجول في أيام الكورونا لا يُبقيان لنا الكثير من الإمكانيات لخلق تحديات لأولادنا تساعدهم على النموّ، يمكننا أن نستغلّ البيئة المنزلية كي نفعل الكثير من أجلهم.

لديّ عشر أصابع: نحسّن مهارة استخدام اليدَين

إحدى قدراتنا الأكثر أهمية هي قدرتنا على استخدام يدَينا – للقيام بأمور مختلفة في حياتنا اليومية. يكتسب الولد هذه القدرة في أشهره الأولى وطيلة فترة نموّه في سنوات الطفولة. وهي تصبح أكثر تطوّرًا مع الوقت.

يكتشف الرُّضَّع أيديهم في الأشهر الأولى من حياتهم. فهم يتأملون بها، ثم يبدأون في مدّها نحو الأمور الموجودة بجانبهم. من أجل مساعدتهم على تنمية قدرتهم الحركية، قرِّبوا إليهم أشياء مختلفة، وساعِدوهم أن يجرّبوا الإمساك بها. يجدُر البدء بأغراض كبيرة نسبيًّا، يكون سهلًا الإمساك بها. لا نتفاجأ طبعًا أنّ الأولاد يفضّلون بشكلٍ عامّ الأغراض الملوَّنة أو التي تُصدر ضجة…

نحو عُمر السنة، يمكننا أن نتحدى أطفالنا وندعهم يجرِّبون الإمساك بأغراض أصغر (ولكن ليست صغيرة جدّا! فنحن لا نريد أن يبتلعوها أو يُدخلوها إلى الأنف…). هذه هي أيضًا المرحلة التي يجدُر بنا فيها أن ندَع الأولاد يجرِّبون الأكل وحدهم (الأكل باليدَين جائز ومطلوب…) ونتيح لهم الإمساك بالطعام الذي تختلف بُنيته وحجمه.

يحسُن أيضًا جعل الأولاد يجرّبون نشاطات مختلفة ويلمسون مباني مختلفة، صلبة ورخوة – الرسم بأقلام ماركر، الرسم بألوان باندا، إلصاق ملصقات، معجون… فالمباني المختلفة تشغّل عضلات مختلفة في اليدَين وتعلّم الأولاد أن يقوموا بنشاطات متعددة. نعم، يعني ذلك أن ندعهم يوسِّخون أحيانًا – في الأكل والتلوين. فهذه مرحلة نموّ هامّة جدًّا، حتى لو تسببتْ ببعض الفوضى في البيت…

في سنّ أكبر، يجدُر أن يتعرف الولد إلى البازل، الرسم بأنواع مختلفة من الألوان، ألعاب الخرز… كلّ شيء موجود في البيت يمكن أن يكون مفيدًا لتنمية هذه القدرات. لا حاجة لشراء ألعاب غالية. فإدخال البازيلاء أو الأرزّ إلى علبة يمكن أن يكون فعالية رائعة. يمكننا أن نخلق تحديا للأولاد ونمنحهم فرصة تجربة تبدو صعبة لهم. فالإحباط جزء من البلوغ. وإذا كنّا إلى جانبهم، يتحول الإحباط إلى تعلّم من الاختبار.

إذا ساعدناهم في تنمية هذه القدرة على طول الطريق، فسيستخدمونها كثيرا في المهارات اليومية: في الأكل بشكل مستقل – باليدَين، ثم باستخدام الملعقة والشوكة، اللبس، الاستحمام، وفي الرسم والكتابة بعد سنوات.

يتعلّم الأولاد بأفضل شكل من النشاطات اليومية. فإذا أتحنا للأولاد أن يجرّبوا القيام بالأمور بأنفسهم، بوجودنا نحن الوالدين – الطبخ معًا، تصليح الأغراض معًا في البيت، البناء معًا – نكتشف المساهمة الرائعة لذلك في نموّهم وفي تنمية قدراتهم وثقتهم بالنفس.

التحرُّك والتنقُّل

إحدى أهم القدرات التي تتطور في السنوات الأولى لحياة الأطفال هي القدرة على تحريك العضلات والتنقل من مكان إلى آخر.

ينمو جميع الرُّضَّع بنفس الترتيب، لكن كل شخص ينمو بوتيرته الخاصة، وهذا طبيعي.

من أجل مساعَدة الرُّضَّع على التقدّم والنموّ، علينا أن نقدّم لهم حوافز ملائمة ونتيح لنا تجارب متنوعة في بيئتهم. كلّ ذلك خلال اللعب، لأنّ هذه هي الطريقة الأكثر إمتاعا ومكافأة، لنا وللرضيع، للعمل على العضلات، التمرّن، التجربة، والتقدّم.

منذ الأيام الأولى في حياة الرُّضَّع، من المهمّ تعريفهم على عدد كبير من الوضعيات – الاستلقاء على البطن أو على الظهر، حملهم على كتفنا، أو وضعهم على بطننا – البطن على البطن. يجدُر بنا أن نتيح لهم الاستلقاء والإحساس بالسطوح ذات المباني المختلفة – سجادة، فرشة دقيقة، لحاف، وما شابه. كلّ وضعية كهذه هي فرصة بالنسبة لهم لاختبار العالم من زاوية مختلفة، وهي تتيح لهم تحريك الأعضاء المختلفة بشكل مختلف.

تساهم هذه النشاطات جميعها في تحسين قدراتهم على التحرّك والتنقل مستقبلًا.

مثلنا نحن البالغين، يحتاج الرُّضَّع أيضًا إلى حوافز ومكافآت.
لذلك، حين ندَع الرضيع يستلقي على بطنه (ربما على سجادة أو على جسمنا)، لنضع شيئا مثيرا للاهتمام مقابله، حتى يكون لديه سبب لرفع رأسه. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو… نحن، الوالدين! مع وجه بشوش وصوت مشجِّع، أغنية، أو حركة.

حين يكون الرضيع على وشك أن ينقلب أو يزحف، نضع ألعابا مثيرة للاهتمام أبعد قليلًا من متناول يده، إلى يمينه، إلى يساره، وأمامه. فستساعده الرغبة في الحصول على مبتغاه، سماع صوت اللعبة، أو سماع صوت تشجيعنا حين يصل إلى اللعبة، على القيام بمحاولات للتقدم والوصول.

يمكن استخدام ما لدينا في المنزل لجذب انتباه الولد – ضجيج الأدوات، القدور، والأواني، خشخشة وعاء مغلق فيه أرزّ أو عدس مثلا، الكتب المفعمة بالألوان مفتوحة قرب الرضيع. فكلّ هذه طرق رائعة لمنح حافز للتحرّك وتنمية العضلات. والأهمّ… أن نكون معًا! في التحدّث، الغناء، الحركة، والابتسامة.

حين يكبر الأولاد ويتمكنون من المشي، يمكننا أن نلعب معًا ونحسّن القدرات الحركية: بناء مسار حواجز من وسائد، أو أنفاق زحف من كراتين وكراسي. يمكننا نزول الدرج وصعوده، التسلق على كراسي مرتفعة، القفز مثل الضفادع، المشي مثل الفِيَلة، أو أية فكرة أخرى تخطر على بالكم.

لا تنسوا أن تشجعوا الولد حين يبلغ هدفه – بكلمة طيبة، ابتسامة، صوت حماسي، وقبلة. فلا حافز أفضل من ذلك