تتطلب مواجهة فيروس كورونا المكوث في البيت لوقت طويل ومواجهة مشاعر الضغط والقلق. ونتيجة لهذا الجو المشحون، من الطبيعي أن تظهر الخلافات بين أفراد العائلة بشكل أكثر من المعتاد. لكن حين تخرج الخلافات عن السيطرة فإنها تسبب الأذى للآخرين. يمكن في هذه الأيام أن يتفاقم العنف داخل العائلة؛ فكيف تعرفون إذا أصبحت علاقاتكم عنيفة، وكيف يمكنكم مواجهة الأمر؟
هل هذا عُنف؟
الخلاف في العائلة والتعبير عن الغضب شائع جدًا، وهو جزء لا يتجزأ من أية علاقة. لكن حين تبقى الأمور في إطار الاحترام والاهتمام بالآخر، تكون هذه العلاقة صحية وطبيعية تسمح بالتعامل مع المشاكل وحلها. في فترات التوتّر، وعند البقاء في المنزل مع الأولاد لفترات طويلة، قد تنتقل الخلافات إلى مستوى أعلى، سواء حول المال، أو التعامل مع الأولاد، أو توزيع المهامّ المنزلية، وغيرها. وحتّى الأولاد قد يتجادلون أكثر. وطالماً لم يتسبب الخلاف والجدال بأي أذى لأحد فذلك لا يعتبر عُنفًا.
ولكن حين يخرج الجدال عن السيطرة، ويتأذى أحد الأطراف جسديًّا أو نفسيًّا، يصبح ذلك عُنفا. وخلافًا لما يظنّه الكثيرون، لا يعني العُنف بالضرورة الأذى الجسدي فقط، فيمكن للعنف أن يكون بالكلمات أو بالتصرفات. إذا تضمنت العلاقة إساءة أو استغلالاً للقوة من أجل التسبّب بالألم، أو فرض السيطرة والإقصاء الاجتماعي، أو الاستقواء على الآخر؛ أو إذا خاف الضحية من تكرر الأمر مجدّدًا، فهذا عُنف.
في كثيرٍ من الأحيان، يصعب التفكير أنّ ما يحدث في بيتكم هو “عُنف أُسري”. فقد اعتاد الكثير ممن يعيشون علاقة عنيفة التقليل من أهمية ما يحدث، أو تجاهله أو حتى إنكاره. كما يمكن أن يقلّل العنيفون أنفسهم من تبعات سلوكهم. وقد يميل الضحايا أحيانا إلى الاعتقاد بأنهم المذنبون وأنهم المتسببون بالعنف أو الشعور بأنهم يبالغون في ردود أفعالهم. وبسبب صعوبة تقبّل أنّ ما يحدث هو عُنف أو اعتداء، يصعب عليهم أحياناً التحدث عن ذلك حتى مع أقرب الناس إليهم.
يمكن للعنف الأُسري أن يحدث في جميع العائلات (علاقة دون زواج، عائلة وحيدة الوالدين، وغيرها). ويمكن أن يحدث بين الزوجين، وبين الأهل وأولادهم، وبين الإخوة. يمكن أن يصدر التصرف العنيف والاعتداء على الغير من كلا الجنسَين، ومن جميع المجتمعات والطبقات الاجتماعية. العنف والاعتداء ليسا جزءًا من العلاقة، وليس هناك ما يبرر استخدام القوة أو التهديد.
لما يحدث هذا؟
لا يفهم كثيرون لماذا يؤذي بعضُ الأشخاص غيرهم عمدًا، وخصوصًا مَن يحبونهم. قد يكون للعنف الأُسريّ أسباب مختلفة. يميل المُعتَدون عادةً إلى ممارسة السلطة والسيطرة على الآخرين لأنهم يشعرون بأن لهم الحق في الحصول على ما يريدون. فيما يجد آخرون صعوبة في مواجهة مشاعر الضغط والتوتّر فيُفرغون إحباطهم وغضبهم على من حولهم. وهناك أشخاص نشأوا في عائلات كان فيها الاعتداء أو العنف هو طريقة التعامل مع الخلافات في الرأي، فلم يعرفوا سُلوكًا آخر. أحيانًا، يمكن أن يكون العنف مرتبطًا بالغيرة والرغبة في السيطرة على سُلوك الزوج أو الزوجة. فالبعض يشعرون بأنّ زوجهم أو زوجتهم “ملك لهم” وأنّ لهم الحق في تهديدهم كما يرغبون.
تأثيرات العُنف الأُسري
حين يحدث العُنف الأُسري، حتى لو كان بين البالغين فقط، فإنه يؤثّر على العائلة بأكملها. فالأولاد يتعلمون عن العلاقات وعن حل الخلافات في الرأي من أهلهم. وحين يتعرضون للعنف في المنزل، فإنهم قد يجدون أنفسهم في علاقة عنيفة حين يكبرون. تظهر أضرار العنف في مراحل مبكرة أيضًا، وفي جميع مجالات الحياة؛ فالعنف يؤثر على الصحّة الجسدية والنفسية لجميع أفراد البيت، وعلى النموّ السليم للأولاد، وعلى الطريقة التي يساهم فيها أفراد الأسرة في المجتمع، وعلى الطريقة التي يمارسون بها علاقاتهم الأخرى.
ماذا نفعل؟
من المهمّ أن ندرك أنّ العنف لا يختفي من تلقاء نفسه، بل يتفاقم عادةً مع الوقت إذا لم تتم معالجته بجدّية. في هذه الفترة التي نمكث فيها في البيت لفترات طويلة، قد يتفاقم مستوى العُنف، ومن المهمّ أكثر من أيّ وقت مضى أن نتعامل معه ونعالجه حتى لا يشكل تهديداً لكم ولعائلاتكم.
إذا شعرتم أنكم تشكّلون خطرًا على أفراد عائلتكم، اخرجوا من البيت حتى تهدئوا.
إذا شعرتم أنكم أنتم أو أحد أبنائكم في خطر شديد، غادِروا البيت واتّصلوا فورًا بالشرطة أو بمركز المعلومات والمساعدة 118.
إذا كنتم من العُنف في عائلتكم، أو كنتم تشعرون بالحاجة إلى التكلّم ولكنكم خائفون، يجدر بكم التوجّه إلى مراكز وزارة الرفاه للعلاج والمساعدة في حالات العنف الأسري. يمكن لهذه المراكز أن تساعدكم وتساعد عائلاتكم على التخلّص من المشاكل والأزمات، ومنع الضرر، وزيادة قدرتكم على مواجهة الأمر بأنفسكم عند الحاجة.