يحوم الكثير من الوالدين فوق رؤوس أطفالهم، وهم مستعدون لتقديم المساعدة لهم في كل صعوبة يواجهونها، صغيرة كانت أم كبيرة. تشير الأبحاث إلى أن أسلوب الأبوة والأمومة هذا قد يؤدي إلى نتائج سلبية على الأمد الطويل، ومنها الاكتئاب في سن المراهقة.
ما هو في الواقع أسلوب “والدي الهليكوبتر”؟
تحاول إناس الصغيرة فتح علبة كبيرة ذات غطاء قابل للفتح عبر تحريكه. بعد محاولة واحدة تقول “أوف” متذمرة، فعندها تقفز والدتها بسرعة وتفتح لها العلبة. بالإضافة إلى ذلك، يعود أيوب الذي عمره عشر سنوات، من المدرسة إلى المنزل حزينا، ويروي لوالده أن أصدقاءه لم يسمحوا له بالانضمام إلى لعبة كرة القدم. لهذا يتصل والده فورا بوالدِي أصدقائه، طالبا منهم أن يهتموا بتربية أطفالهم وأن يسمحوا لابنه باللعب معهم. كما واتصلت إيمان ابنة السابعة عشرة عاما، بأمها في وسط النهار قائلة إنها نسيت الشطيرة في المنزل، لهذا غادرت والدتها عملها فورا متوجهة إليها لإعطائها وجبة الطعام.
ما هو المشترك لكل هذه الحالات؟ يشكل جميعها مثالا على تعامل الوالدين الذي نشأ في العقود الأخيرة ويدعى أسلوب “والدي الهليكوبتر” – الوالدون الذين يتواجدون دائما في بيئة أطفالهم، يدللونهم جدا، يتدخلون في كل ما يفعلونه حتى عندما لا يُطلب منهم، وهكذا هم تحديدا لا يسمحون لأطفالهم بالمواجهة وحدهم.
كيف يلحق أسلوب “والدي الهليكوبتر” ضررا بأطفالنا؟
إذا نظرنا إلى ذلك من وجهة نظر الطفل، يبدو أن إناس التي فتحت لها والدتها العلبة، تعلمت أن التذمر يجعل والدتها تقفز وتساعدها فورا؛ وأن عملية فتح العلبة ليست معدّة لها -فتح العلبة صعب ووالدتها هي التي تستطيع فتحها فقط. كذلك تعلم أيوب أنه يحتاج إلى والده لكي يوافق أصدقاؤه على أن يلعب معهم. وما الذي تعلمته إناس عن تحمل المسؤولية، الاستقلالية، وسلم أفضليات والدتها؟
يعيش والدون كثيرون في يومنا هذا في عالم تنافسي، يتميز بالحكم على الأمور. يحب كل الوالدين أطفالهم، يتمنون لهم الحياة الأفضل، ويفعلون كل ما في وسعهم لمساعدتهم على التقدم وحمايتهم من الأضرار. ولكن تشير أبحاث كثيرة إلى أن أسلوب الوالدين هذا يسبب نتائج سلبية على الأمد الطويل، ومنها الإضرار بعمليات التطوّر، التعلم والنمو، وحتى أنه يعرّض الأطفال للاكتئاب في سن المراهقة.
الإضرار بعمليات اتخاذ القرارات وحل المشاكل
تشير أبحاث كثيرة إلى أن أسلوب “آباء الهليكوبتر” يلحق ضررا بعمليات تطور الأطفال، تعلمهم، ونموهم: عندما يحل الوالدون فورا كل مشكلة يواجهها أطفالهم، يمنعونهم من أن يجربوا، يخطئوا، ويفشلوا – لهذا لا يتعلم الأطفال مهارات هامة لحل المشاكل، مواجهة الإحباط، وتحمّل المسؤولية. كذلك، من المهم التذكّر: أسلوب “آباء الهليكوبتر” يمنع من الطفل أن يحقق نجاحات يمكن أن ينسبها إلى نفسه وجهوده.
الإضرار بالثقة الذاتية والاستقلالية
عندما يحوم الوالدون فوق رؤوس أطفالهم، دون توقف، ويقفزون بسرعة، يشعر أطفالهم أن هناك مَن يراقبهم كل الوقت. في كل مرة يتدخل فيها الوالدون، يشعر الطفل أنه فاشل، ويتضرر شعوره بالقدرة على القيام بنشاطات. يمكن النظر إلى ذلك كمنافسة خفية، احتمال أن يفوز فيها الطفل ليس واردا في الحسبان إطلاقا. لهذا يعتاد الطفل على واقع، يحظى فيه بمرافقة الآخرين دائما، حتى أنه قد يشعر بقلق عندما يكون وحده.
الوالِدون الذين يحلون أية مشكلة، ويوجّهون أطفالهم إلى الطريق الصحيح وفق نظرهم، يحرمونهم من إمكانية خوض تجربة هامة في اتخاذ القرارات والعمل بموجبها. يجد الأطفال أنفسهم أحيانا، يعملون وفق مشيئة والديهم، على حساب رغباتهم، ميولهم، وتفضيلاتهم.
إساءة فهم احتياجات الآخر
لا يلحق نمط الوالدين هذا ضررا بالأطفال فحسب بل بالوالدين أيضا. ضمن أسلوب “والدي الهليكوبتر” هذا يملي الأطفال تعامل الوالدين معهم، تماما على عكس ما يحتاجه الأطفال. لا يحتاج الأطفال إلى مساعد شخصي، بل إلى بالغ مسؤول يشكل مثالا شخصيا يحتذى به، قادرا على أن يرشدهم نحو الطريق الذي عليهم اتباعه.
معرفة أن الوالدين هم أفراد مستقلون – ذوو احتياجات ورغبات خاصة، لا يتعين عليهم العمل على خدمة أطفالهم فقط – هذه الحقيقة هامة لتطور الأطفال الشعوري والاجتماعي، ولبنائهم علاقات سليمة في المستقبل. هكذا يمكن أن يلحق أسلوب “آباء الهليكوبتر”، ضررا بالطفل وبالطريقة التي ينظر فيها إلى احتياجات الآخرين، وإلى الوالدين أنفسهم، الذين يتم تهميش احتياجاتهم.
الانزعاج والإحباط يمثلان عاملين هامين للتطور والنمو
لحظات الإحباط هي جزء لا يتجزأ من التطور والنمو، ويمر بها الأطفال في كل مرحلة من حياتهم: التخلص من استعمال المصاصة والحفاضات، متطلبات تعليمية متقدمة، وتحديات اجتماعية. تثير لحظات الإحباط هذه انزعاجا، وأفكارا حول طبيعة الوالدين، لهذا ينشأ فورا ميل لإيقاف طبيعتهم هذه.
تشير أبحاث كثيرة حول الأبوة والأمومة لدى الأطفال الصغار إلى حاجة الأطفال إلى شخصية الوالدين التي تلبي احتياجاتهم بشكل شعوري ملائم، ولكن ليس بالضرورة أن يستجيب الوالدين لمتطلباتهم فورا. الأطفال الذين تُلبّى احتياجاتهم فورا، لا تتطور لديهم دافعية لتعلم مهارات جديدة أو للتقدم. يتعين علينا أن نتعلم كيف نعرف متى يستطيع أطفالنا أن يواجهوا وحدهم، حتى إذا شعرنا نحن وأطفالنا بتوتر أو انزعاج على حد سواء.
علينا نحن بصفتنا والدين أن نثير تحديا لدى أطفالنا بدرجة صحيحة، متجنبين الخوف من الإحباط، البكاء، والمشاعر السلبية. تطوّرُ هذه اللحظات أثناء مرحلة الطفولة شخصية الأطفال وتجعلهم بالغين مستقلين، مسؤولين، وناجحين.
هكذا يمكن أن تتجنبوا كونكم “والدي الهليكوبتر” – خمس نصائح
- فكّروا لحظة قبل أن تستجيبوا. إذا لم يكن ابنكم معرضا للخطر، انظروا إليه قليلا دون أن تتدخلوا. اعربوا أمامه عن الصعوبة التي يمر بها، ودعوه يعرف أنكم ترونه، دون أن تحلوا المشكلة من أجله.
- شجعوا الحوار حول حل المشاكل، وفق عمر الطفل. عندما يتوجه ابنكم إليكم بسبب مشكلة، ساعدوه على التفكير وحده في عدد من الحلول المحتملة، واتخاذ القرار المستقل.
- طوروا الاستقلاليّة تدريجيًّا. عندما تعلّمون ابنكم القيام بعمل جديد، دعوه يفعلوه وحده، تدريجيا.
- تعرّفوا إلى نقاط القوّة والضعف لدى ابنكم. شجعوه على استعمال نقاط قوته، ولكن علّموه أن يتقبل الصفات الأقل نجاحا، وعدم النجاح التام، إضافة إلى معرفته أنه يمكن أحيانا أن يعمل للتغلب عليها.
- علموا ابنكم كيف يتعامل مع الفشل. تحدثوا عن المشاعر التي يثيرها الفشل، وعن الفشل الذي مررتهم به أنتم، مشيرين إلى نجاحاتكم رغم الصعوبات.
الأبوة والأمومة هي مهمّة معقدة تتطلب منا الكثير من التوازن واتخاذ القرارات في اللحظات الحقيقية.
حتى إذا اتبعتم الآن أسلوب “والدي الهليكوبتر” يمكنكم تغييره. حاولوا أن تتيحوا لابنكم أن يخوض تجربة التعلّم الذاتي، علما وإيمانا حقيقيا منكم أنكم تساعدونه على أن يصبح بالغا مستقلا، اجتماعيا، وقويا