السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل هامة من أجل نموه. تصوغ التجارب التي يخوضها الأطفال في هذه السنوات شخصيتهم كبالغين في المستقبل. تصوغ علاقتكم مع ابنكم الطريقة التي يتعلم فيها ويكبر أكثر من أي شيء آخر.
النمو
النمو هو مصطلح يصف التغييرات التي تطرأ أثناء تطور ابنكم جسمانيا، وكذلك قدرته على تعلم مهارات اجتماعية، عاطفية، سلوكية، تفكيرية، وتواصلية ضرورية في الحياة. ترتبط كل هذه المجالات معا، ويستند كل منها على الآخر ويؤثر فيه.
في السنوات الخمس الأولى، يتطور دماغ ابنكم أكثر وبسرعة أكبر، مقارنة بأية فترة زمنية أخرى في حياته. التجارب المسبقة التي يمر بها ابنكم – كل ما يراه، يسمعه، يلمسه، يشمه، ويتذوقه – تحفز دماغه، وتنتج ملايين العلاقات الجديدة. هكذا يوضع الحجر الأساسي للتعلم، الصحة، والسلوك خلال الحياة.
يتأثر نمو ابنكم من الجينات التي حصل عليها ومن البيئة التي يترعرع فيها أيضا. الجينات هي وحدات أساسية في الوراثة وهامة في النمو، وتحمل معها معطيات حول شكل ابنكم وتصرفه، صحته الجسمانية والنفسية، وغيرها. تصل المعطيات في الجينات من الوالدين.
تشمل البيئة التجارب التي يمر بها ابنكم في العائلة، المدرسة، والمجتمع الأوسع. تؤثر البيئة في أمور مثل لغة الولد، مدى استقلاليته، تعافيه في الحالات الصعبة، وقدرته على إقامة صداقة جديدة.
عندما ينمو ابنكم، فإن الطريقة التي تعمل فيها جينات ابنكم وبيئته معا تؤثر في نموه. مثلا، تتعلق الطريقة التي يستجيب فيها رضيعكم لوضع مثير للضغط بمزاجه (الذي تحدده الجينات بشكل خاص)، وتتعلق علاقاته مع الآخرين ببيئته (بالعائلة والأشخاص القريبين غالبا).
يُولد الأطفال مع قدرة على التعلم، ويتطور دماغهم عندما يستخدمونه. لذلك يحتاج ابنكم إلى بيئة مُحفزة، تشمل نشاطات مختلفة من اللعب والتعلم، والكثير من الفرص التي يمكن أن يتدرب فيها على الأشياء التي تعلمها.
نمو الأطفال
يطور معظم الأطفال المتعافين الذين يحظون بمحبة كبيرة واهتمام مهارات جديدة بطريقة طبيعية تماما ومفاجئة دون توقف. يتطور الأطفال بسرعة في السنة الأولى من حياتهم، ولا يمكننا نحن الوالدين سوى أن نشاهدهم بدهشة.
ينمو الأطفال ويكبرون بوتيرة مختلفة تماما – ويكون ذلك أحيانا دون أية صلة بما هو مكتوب في كتب النصائح للوالدين! توفر لكم نظرتكم ومعرفتكم لابنكم، معرفة أنه يأكل جيدا، ينام جيدا، ولا يتنهد عندما يكون يقظا كل الوقت، معلومات أكثر حول نموه مقارنة بقوائم النمو مهما كانت. تمتعوا بالتغييرات الصغيرة، فهي التي تجعل نمو ابنكم مثيرا ومطبوعا في الذاكرة.
حجر الأساس في التطوّر
تدعى تحصيلات النمو “مهارات حركية أساسية”. المهارات الحركية الأساسية في عملية النمو هي دليل هام، ولكن ليس هناك سبب للقلق بسببها. تنقسم المهارات الحركية الأساسية إلى مجموعتين وفق أعضاء الجسم التي تشير إليها:
- الحركات الكبرى. تشمل التناسق والسيطرة على العضلات الكبيرة والمهارات مثل المشي، الجلوس، والركض.
- الحركات الدقيقة. تتضمن التناسق والسيطرة على العضلات الصغيرة، والمهارات مثل الإمساك بخرخيشة، رفع فتات خبز، والخربشة بقلم الرصاص.
- الرؤية هي القدرة على الرؤية إلى مسافة قريبة وبعيدة، وتحليل ما نراه.
- السمع هو القدرة على السمع، الإصغاء، وتحليل الأصوات، أما التكلم فهو القدرة على إطلاق أصوات لتأليف كلمات.
- التصرف الاجتماعي والفهم هما قدرة الولد على تعلم وإقامة علاقة مع الآخرين، تتضمن مهارات اللعب ومهارات إقامة علاقة وتواصل.
العلاقات: كيف يحدث التطور
تؤثر علاقات الأولاد في كل المجالات والمراحل التطورية، لأن العلاقات هي تجارب. في الحقيقة، العلاقات هي أهم التجارب للولد في بيئته، لأنها تمنحه معلومات كثيرة حول العالم الذي يعيش فيه. وكذلك فهي تصوغ الطريقة التي ينظر فيها إلى العالم. إن التعرّف على العالم المحيط يتيح لابنكم تجارب وتحديات جديدة. يحتاج ابنكم إلى تحفيز يحدث من خلال هذه التجارب، ليتعلم كيف يتحرك، يفكر، يتواصل، يعبر عن ردود فعله، ويتصرف في المجتمع. كلما خاض تجارب أكثر – عالمًا أنكم إلى جانبه وتدعمونه دائما – ينمو أكثر ويوسع مهاراته التي اكتسبها.
يتعلم ابنكم عن العالم من خلال خوض تجارب تتعلق بإقامة العلاقات – مثلا، عندما يتواصل معكم – وكذلك من خلال مشاهدة العلاقات بين الأشخاص الآخرين – مثلا، كيف تتصرفون مع الشريك أو الشريكة، وما هو التصرف الذي تحصلون عليه في المقابل. إذا شاهد ابنكم علاقات مبنية على الاحترام وقلدها، يتعلم التصرف بهذه الطريقة في علاقاته بالآخرين أيضا.
تتيح العلاقات للأولاد أن يعبّروا عن نفسهم – من خلال البكاء، الضحك، أو طرح الأسئلة – والحصول على مقابل – معانقة، ابتسامة، أو إجابة. يوفر كل ما “يحصل عليه الأولاد في المقابل” معلومات هامة جدا حول العالم، وكيف عليهم التصرف. يساعدكم التواصل المتبادل، الدافئ، واللطيف مع ابنكم على خلق تجارب مشتركة وتقاسمها، ما يعزز العلاقات في الوقت ذاته، ويساعده على التعرّف أكثر إلى العالم. يتعلم ابنكم من خلال العلاقات إذا كان العالم آمنا ومحميا، إذا كان محبوبا، من يحبه، ماذا يحدث عندما يبكي، يضحك، أو يعبر تعابير وجه مختلفة – وأمورًا كثيرة أخرى. يشكل هذا التعليم أساس مهارات التواصل لدى ابنكم، ومهارات التصرف، الحياة الاجتماعية، والمهارات الأخرى.
العلاقات بينكم وبين ابنكم ، بينه وبين أفراد العائلة الآخرين، والأشخاص الآخرين الذين يعتنون به – مثلا، المعلمين في سن صغيرة – هي الأهم. تشكل هذه العلاقات المبكّرة أساس النمو السليم لدى ابنكم.
لماذا اللعب مهم
في السنوات الأولى، يتعلم ابنكم وينمو عبر اللعب. فهو لا يتمتع باللعب فحسب، بل يحظى بفرصة للبحث، النظر، التجربة، حل المشاكل، والتعلم من الأخطاء. بهدف القيام بذلك، يحتاج إلى دعمكم وتشجيعكم. رغم ذلك، من المهم أن تعرفوا نقطة التوازن بين الرغبة في مساعدة ابنكم وبين توفير الفرصة أن يُخطئ، لأن جزءا هاما من التعلم هو التعلم عن طريق الخطأ، فهكذا يتعلم ابنكم كيف تسير الأمور في العالم من حوله.
يتيح قضاء الوقت المشترك أثناء اللعب، السباحة، الإصغاء، والتفاعل المشترك لابنكم تعلم مهارات مطلوبة في الحياة، مثل التواصل، التفكير، حل المشاكل، الحركة، والبقاء مع أشخاص وأولاد آخرين. إضافة إلى ذلك: اللعب هو وسيلة لبناء علاقات. إن قضاء الوقت أثناء اللعب مع ابنكم ينقل إليه رسالة واضحة: أنت تهمني. تساعده هذه الرسالة على معرفة مَن هو وما هي مكانته في العالم.
تساعد العلاقات المبنية على المحبة والاهتمام بينكم وبين ابنكم على تعلم القليل عن بعضكم يوميا. عندما يكبر ابنكم ويتطور تتغير احتياجاته. هكذا تتعلمون عن احتياجاته وعن الطريقة التي تستطيعون فيها تلبيتها.
عوامل أخرى تؤثر في تطوّر القدرة الذاتية لدى ابنكم
هناك عوامل أخرى، مثل التغذية، النشاط الجسماني، الحالة الصحية، والبيئة التي تسكنون فيها، تؤثر جدا في رفاهية ابنكم وتطوره. في وسعكم السيطرة على جزء من هذه العوامل – مثلا، ما هو الطعام الذي يتناوله ابنكم وحجم النشاطات الجسمانية التي يشارك فيها – ولكن، يمكنكم التحكم أقل في أمور مثل الحالة الصحية والعوامل الأخرى.
التغذية الجيدة
تُوفر التغذية الصحية لابنكم الطاقة والمكونات الغذائية المطلوبة لجسمه من أجل النمو والتعلّم. كذلك، تساعده على تطوير حاسة الذوق. تحدد التغذية العائلية الصحية وأنماط الأكل الجيدة في السنوات الأولى من حياة ابنكم عادات الأكل الصحية التي ترافقه طيلة الحياة.
النشاط الجسماني
يحفز النشاط الجسماني ابنكم على التحرك ويطور هذه المهارات الحركية لديه، كما يساعده على التفكير ويمنحه فرصة التعرّف إلى العالم. لذلك، يحتاج ابنكم إلى اللعب الفعال في الكثير من الفرص، سواء كان داخل المنزل أو خارجه.
الحالة الصحية
يمكن أن تؤثر حالة ابنكم الصحية في تطوره. يمرض كل الأولاد في مرحلة معينة – مثلا، سعال وزكام، آلام في الأذنين، أو آلام في البطن. غالبا، لا تؤدي أمراض الطفولة البسيطة هذه إلى مشاكل في النموّ على الأمد البعيد.
رغم ذلك، قد تؤثر المشاكل الصحية المزمنة أو المستمرة مثل السكري، الربو، التليف الكيسي، أو السرطان في تطور ابنكم. إذا كان ابنكم يعاني من مشكلة طبية مزمنة، يستحسن التحدث مع طبيب الأطفال، ممرضة مركز الرعاية، أو خبير طبي آخر حول طريقة تأثر نموه.
الحي السكني والمجتمع المحلي
يؤثر الحي السكني والمجتمع المحلي الذي تعيشون فيهما في نموه ابنكم. فمثلا يتعلق تطور ابنكم بالعلاقات الإيجابية بينه وبين معلميه، المشاركة في النشاطات المجتمعية (مثل المناسبات في المدرسة)، وإمكانية الوصول إلى أماكن مثل الملاعب، المتنزهات، الحوانيت، والخدمات المحلية مثل عيادات الأطفال، المدارس، المستشفيات، والمكتبات.
رغم ذلك، قد تشكل عوامل مثل السكن غير الملائم، روضات الأطفال ذات المستوى المنخفض، أو الملاعب غير الآمنة، خطرا على تطور ابنكم.
نموّ الأطفال بوتيرة مختلفة
ينمو الأطفال ويكبرون بوتيرة مختلفة. تحدث غالبية المهارات واللحظات الهامة للنمو وفق الترتيب ذاته تقريبًا، ولكن السن التي تحدث فيها قد تتغيّر بين طفل وآخر، حتى بين الأولاد في العائلة ذاتها. هناك والدون يكونون قلقين حول توقيت ابتداء ابنهم بالمشي، وهناك والدون قلقون حول الوقت الذي تنجح فيه ابنتهم في التخلص من الحفاظات. هناك والدون يتساءلون متى تظهر السن الأولى لدى ابنتهم.
من المهم التذكر أن كل ولد يتطور وفق وتيرته. إذا كنتم تتساءلون إذا كان نموّ ابنكم “طبيعيًّا” يُستحسن أن تتذكروا أن “الطبيعي” هو مجال واسع. مثلا، الجيل الطبيعي الذي يبدأ فيه الأولاد في المشي هو 8 حتى 18 شهرا، فإذا كان ابنكم لا يمشي بعد في عمر 14 شهرا، لا ضير في ذلك غالبا.
التأخر في النموّ
قد يتأثر التطور بالمتأخرات الأخرى. قد يكون هذا التأخر مؤقتا، فيما يكون دائما في أحيان كثيرة. الولادة المبكّرة والمرض هما عاملان قد يؤديان إلى تأخر تطوري مؤقت. قد يؤدي جزء من العوامل إلى تأخر تطوري دائم. كذلك، قد يتأثر تطور الطفل نتيجة بيئته.
العوامل الأساسية هي دليل فقط. إذا لم يكن هناك تأخر في النمو في عدة مجالات مختلفة طيلة أشهر، فهناك احتمال ضئيل فقط أن شيئا ما ليس كما ينبغي – حتى إن كان ابنكم يقوم بالأشياء ببطء أكثر مقارنة بالأطفال الآخرين. حاولوا ألا تُغرَوا بالمقارنة بين ابنكم والأطفال الآخرين، لأنكم قد تصبحون قلقين دون داع.
إذا شعرتم أن شيئا ما ليس كما يرام حقا في نموّ ابنكم، فثقوا بشعوركم. حددوا لقاء مع ممرضة مركز رعاية الطفل أو مع طبيب الأطفال. يُستحسن التوجه لتلقي المساعدة إذا كان ابنكم:
- لا يستجيب للضجة باستمرار
- يبدو أنه لا يرى، بؤبؤا عينيه أبيضان أو غامضان، أو أن شيئا ما في عينيه يقلقكم
- لا ينظر إليكم
- لا يهتم بما يدور حوله
- لا يحرك أو لا يستخدم ذراعيه و/أو رجليه
- يبكي بكاء غير عادي (مثلا، يصرخ بصوت عال)
- يبكي دون توقف لأكثر من ثلاث ساعات في اليوم (يبكي الأطفال ما معدله ساعتان في اليوم، يصل البكاء ذروته في عُمر 6 حتى 8 أسابيع)، لا سيما في عمر 3 حتى 4 أشهر
- لا ينجح في رفع رأسه والإمساك به بعد عمر 3 حتى 4 أشهر
- لا يجلس حتى عمر 10 أشهُر
- لا ينجح في تحمل وزن جسمه حتى جيل سنة
أن نكون والدين
بصفتكم والدين، تتعلمون دون توقف. يرتكب كل والد أخطاء ويتعلم من خلال التجربة. لا بأس في أن تكونوا واثقين بما تعرفونه. ليست هناك مشكلة في أن تعترفوا بأنكم لا تعرفون وأن تطرحوا الأسئلة – أحيانا تكون الأسئلة التي تظنون أنها تافهة أسئلة جيدة جدا!
صحتكم الجسمانية والنفسية هي جزء هام من تأدية دوركم كوالدين. ينسى الكثير من الوالدين الاهتمام بنفسهم أو لا يتسنى لهم وقت كاف لذلك، وذلك عندما يركزون كل اهتمامهم على الاعتناء بالطفل. يتطلب منكم دوركم كوالدين فهما، صبرا، خيالا، وطاقة – وستقومون بهذه الأمور بشكل أفضل إذا اهتممتم بنفسكم.
في كل مرحلة نموّ يمر فيها ابنكم، ليس متأخرا أبدا أن تبدأوا بمساعدته للعمل على مهارات وتحديات جديدة، وأن تبنوا أيضًا علاقاتكم به بمحبة.
تمت ملاءمة كافة محتويات الموقع للجمهور عامة.
© https://raisingchildren.net.au، تمت ترجمة المعلومات وتحريرها بمصادقة موقع Raising Children Network.