“الممنوع” و”المسموح” – العودة إلى الروتين في زمن الكورونا

بعد أسابيع طويلة ومشحونة في المنزل في ظلّ الإغلاق والقيود، قد تكون العودة إلى الحياة الروتينية مُرهِقة ومربكة للأولاد الصغار. ينظر الأولاد إلى العالم عادةً بشكل ملموس وأحادي، والانتقال الحادّ بين ما كان ممنوعًا وأصبح الآن مسموحًا قد يُربكهم ويخلق لديهم إحساسًا بفقدان السيطرة والأمان.

ما الذي تغيّر؟

إنّ الواقع الجديد الذي تصبح فيه الأمور التي كانت ممنوعة حتّى الآن مسموحة فجأة – مثل الخروج من المنزل، والذهاب إلى الحديقة، وحتى زيارة الجدّ والجدّة – قد يُثير علامات استفهام كثيرة وشعوراً بانعدام التوازن لدى أولادكم. من المهم التحدث مع الصغار حول الروتين الجديد، وتوضيح الأمور التي ما تزال ممنوعة والأمور التي أصبحت مسموحة لهم، وأسباب هذا التحول. اعرضوا عليهم الروتين الجديد وتحدّثوا معهم عن حسنات الوضع الجديد وسيّئاته. أصغوا لأفكارهم، واسألوهم عما يشعرون به وشجعوهم على التعبير عن مشاعرهم تجاه الوضع الجديد بالكلمات والرسم واللعب والتمثيل وغيرها.

التدرُّج

هناك أطفال تكون العودة إلى الروتين بالنسبة لهم أمراً مفرحاً وتثير لديهم مشاعر إيجابية، فيما تكون لدى أولاد (وأهل) آخرين مصدرًا للضغط والخوف. في حالاتٍ كهذه، من الأفضل التأقلم بشكل تدريجي ومدروس كي يعتاد الأولاد على هذا الأمر بشكل إيجابي دون أن تظهر لديهم مشاعر خوف أو رفض. يوصى بالبدء بالقيام بأنشطة بسيطة خارج البيت، مثل التنزّه في الشارع حول البيت على دراجة أو سيارة أطفال أو التجول بالسيارة في الحي ليروا الأماكن التي يعرفونها مثل المركز التجاري وملعب الأطفال وغيرها. تساعد هذه الأمور على التخفيف من مشاعر القلق لديهم.

وكذلك قُبيل زيارة الجدّ والجدة – من المهمّ التأكد أن الأولاد لن يشعروا بأنهم قد يتسببون بالأذى لجدّهم وجدّتهم، ويكون لديهم بالتالي قلق من اللقاء. لذلك هيِّئوا الأولاد قبل الزيارة وأوضِحوا لهم أنه يجب الالتزام بقواعد الأمان لحماية الجدّ والجدة. ليكُن اللقاء قصيرًا نسبيًّا في البداية، وكرروا الزيارة حين يُتاح لكم ذلك. وحين يرى الأولاد أنّ اللقاء السابق سار على ما يُرام وأنّ الجد والجدة بخير، سيدركون أنه لا بأس من الزيارة ولا يخافون من اللقاء أو من عواقبه.

النوم

أثّرت الأيام الطويلة في المنزل على روتين نوم الأولاد أيضًا، وجعل غياب الأطُر الدراسية الجدول اليومي وساعات نومهم واستيقاظهم مرِنة أكثر من أي وقت مضى. لهذا السبب، من المهمّ إعادة الساعة البيولوجية إلى الخلف تدريجيًّا. فإذا تشوّشت ساعات النوم كثيرًا، سيصعب عليكم أن تُعيدوها إلى ما كانت عليه مرة واحدة. ابدأوا من الآن بتقديم وقت الخلود إلى النوم بـ 15 – 30 دقيقة كلّ يوم، حتى تصلوا إلى الوقت المنشود. وفي الصباح، احرصوا على فتح النوافذ بحيث يدخل الضوء إلى الغرفة ويعتاد الأولاد على الاستيقاظ في الوقت المحدّد.

الصحة النفسية

كانت الأشهر الأخيرة مليئة بمشاعر مختلفة كالقلق والتوتّر للجميع. كما تعرَّض الأولاد لمعلومات كثيرة لم يكن في وسعهم دائمًا أن يستوعبوها، كما أنهم شهدوا معاناة أهلهم خلال الأزمة، مما جعل شعور بعضهم صعبًا في هذه الفترة. تتيح العودة إلى الروتين القيام بأمور تحسن من مزاجكم ومزاج أولادكم، كزيارة الجد والجدة، والتنزّه في أحضان الطبيعة، والقيام برحلة قصيرة مع بعض الأصدقاء، وغير ذلك. استغلّوا هذه الأوقات وشمس الربيع وحاوِلوا الاستمتاع قدر الإمكان.

مشاعر السيطرة والأمان

إحدى أبرز ميزات فترات الأزمة، سواء لدى البالغين أو الصغار، هي الشعور بفقدان السيطرة – ما يزيد لديهم مشاعر القلق. فمثل البالغين، يسعى الأولاد إلى التمسّك بما هو مألوف لديهم كي يشعروا بالأمان، ويحتاجون إلى الشعور بالسيطرة على حياتهم قدر الإمكان. إنّ قدرتهم على القيام باختيارات في حياتهم واتخاذ قرارات حول أمور مرتبطة بهم تُعيد لهم الشعور بالسيطرة. لذلك يجدر منح من يستصعبون التأقلم مع القواعد الجديدة إمكانية الاختيار. على سبيل المثال، اسألوهم أية كمامة يُفضِّلون – كمامة تشبه كمامة الطبيب أم كمامة قماشية، مع مطّاط أم مع ربّاط، وما شابه ذلك.

متى يجب الانتباه

لا يعرف الأولاد الصغار دائمًا كيف يعبّرون عن ضيقهم بالكلمات. لذا فإلى جانب الحوار والإصغاء، انتبهوا وكونوا متيقّظين لعلامات الضيق لدى الأولاد والتي يمكنها أن تظهر بطرق مختلفة منها:

  • شكاوى “صحية”، كألم البطن والصداع وما شابه
  • اضطرابات النوم
  • العودة إلى استخدام الحفاضات – الإخفاق أو المبالغة في ضبط النفس
  • التغييرات السلوكية – الغضب، الإحباط، الانعزال، وما شابه

تذكّروا أن لكل ولد ردّ فعله المختلف على الضيق والصعوبات. لذا تحلَّوا بالصبر وتقبّلوا هذه الصعوبات وحاوِلوا أن توضحوا للأولاد أنكم تتفهمون ضيقهم وأن تستوعبوهم. وقد تستغرق العودة إلى الروتين وإلى البرنامج اليومي المألوف بعض الوقت.

إذا دعت الحاجة، لا تترددوا في طلب المساعَدة من طبيب الأطفال، أو الممرضة في مركز رعاية الطفل، أو من جهات أخرى في المجتمع يمكنها أن تساعدكم على اجتياز الفترة القادمة بسلام.