التقلبات العاطفية في سن المراهقة

تشكل التقلّبات في المزاج وفي النظرة إلى الحياة في سن المراهقة جزءا طبيعيا من الحياة، وكذلك من حياة المراهقين.حياة الشبّان مضغوطة جدًّا من نواحٍ عديدة - جسمانية، عاطفية، واجتماعية - ما يمكن أن يوضح لماذا يشعر بعض المراهقين بتغييرات مزاجية بوتيرة أكبر، يمكن أن تشمل أحيانًا الشعور بالكآبة.

المزاج لدى الشبّان: ماذا يجب أن تعرفوا

هناك أيام يشعر فيها ابنكم بفرح وحماسة، فيما يبدو عليه الاكتئاب، خيبة الأمل، أو الحزن في أيام أخرى. هذا جزء طبيعي من حياة الشباب، مثلهم مثل البالغين.

ربما يشعر ابنكم بتقلبّات في مزاجه أكثر من الماضي، أو بأن مزاجه أصبح متطرفا جدا. قد تكون لذلك أسباب كثيرة – جسمانية، عاطفية، ونفسية – وليس بالضرورة سبب محدّد واحد. في كثيرٍ من الأحيان، لا يمكن معرفة سبب التقلّبات في سن المراهقة.

قد تتغير علاقتكم مع ابنكم أيضا، وكذلك الطريقة التي يشارككم فيها بمشاعره. أصبحت الخصوصية تعني أكثر له الآن. عندما يطلب ابنكم المراهق أن يكون وحده لوقت أطول أو أن يحافظ على خصوصيته، لا يعني ذلك بالضرورة أنه كئيب. فهذه علامة على أنه يكبر ويصبح مستقلا، وهذا جزء طبيعي وسليم من سن المراهقة. مع ذلك، رغم أن المراهق يحتاج إلى الشعور بالاستقلالية، يجب التذكر أنه في حالات الأزمة أو أثناء اتخاذ القرارات الهامّة (مثل اختيار التخصص في المدرسة، التعرض لمشاكل كبيرة مع المعلمين، اختيار التعليم العالي)، يميل معظم الشبّان إلى الاتكال على والديهم واستشارتهم، لأنهم لا يزالون بحاجة إلى إشرافهم ودعمهم.

هذه التغييرات في المشاعر، السلوك، والتفكير هي تغييرات طبيعية، تستمر حتى بعد أن يصبح مزاج ابنكم أفضل أيضا. آن الأوان لكي تتعلموا أنتم وابنكم كيف تتواصلون معا بطرق جديدة.

ما هو سبب التقلّبات؟

عوامل جسدية

يمر الشبّان بتغييرات جسدية كثيرة أثناء سن المراهقة. عليهم أن يتأقلموا مع جِسمهم المتغير، وقد يكونون على إدراك زائد لذلك أو مرتبكين في بعض الأحيان، كما قد يطلبون خصوصية ووقتًا خاصًّا. كما قد يشعر الأولاد الذين يستغرق نموّهم وقتا أطول من أصدقائهم بالإحباط أو الاهتياج.

هناك عامل جسماني آخر هو حاجة ابنكم إلى النوم. يحتاج الشبّان إلى النوم كثيرا – نحو تسع ساعات وربع للنوم كلّ ليلة. لذلك، قد يؤثر مقدار نومهم في مزاجهم. إثر ميل بعض المراهقين إلى السهر حتى ساعة متأخرة من الليل، من المهم مساعدتهم على اتباع نمط نوم سليم يتضمن إضافة إلى النوم ساعات كافية الحفاظ على أوقات ثابتة يستعدون فيها للنوم وينامون، بشكل يسمح لهم بالاستيقاظ مستعدين لليوم الدراسي. في نهايات الأسابيع والعطل، يمكن السماح للمراهق بالسهر أكثر من العادة على نحو معقول. إضافة إلى ذلك، تساهم الوجبات المفيدة والثابتة والنشاطات الجسمانية في صحة ابنكم الجسدية والعاطفية.

عوامل مرتبطة بالدماغ

لا يزال دماغ الشبّان ينمو حتى يصل إلى النضج التام نحو سنّ 25 عامًا. الجزء الأخير الذي يتطور في الدماغ هو القشرة المخية أمام الجبهية، المرتبطة بالمناطق المسؤولة عن التوازن، السيطرة على المشاعر، واتخاذ القرارات.

لذلك، يصعب على معظم المراهقين أن يُخفوا جزءا من مشاعرهم القوية، ويبدو أنهم يستجيبون للحالات المتغيرة بشكل عدائي/ عاطفي أكثر من الماضي. فضلًا عن ذلك، لا يزالون يتعلمون كيف يسيطرون على مشاعرهم ويعبّرون عنها مثل  البالغين.

عوامل اجتماعية وعاطفية

الأفكار الجديدة، المشاعر الجديدة، الأصدقاء الجدد، ومجالات الاهتمام الجديدة – كلها تؤثر في طريقة شعور ابنكم. الآن، فيما ابنكم يتقدم نحو الاستقلالية، يتعلم كيف يحل مشاكله وحده، ومشغول أكثر بالتفكير في التحديات التي تواجهه، مثل الصداقات، المدرسة، والعلاقات العائلية.

تؤثر الحالات العائلية المثيرة للضغط في مزاج ابنكم. قد تكون هناك أيضا أسباب كثيرة تؤثر في مزاج ابنكم السيء – مثلا: أسباب تتعلق بنمط حياته أو علاقاته، مثلا النوم غير الكافي، قلة الوجبات المغذية والثابتة، إصابة أحد أفراد العائلة بمرض حاد، الشعور بنقص العلاقة مع الأصدقاء، أو التحرشات والإزعاجات في المدرسة. كما قد يكون مزاجه سيئا دون سبب واضح.

الاستفادة القصوى من الفترات الجيدة

يمكن أن تساعدوا ابنكم على خوض تجارب إيجابية أكثر بطريقتَين.

الأولى هي معرفة بِمَ يتمتع ابنكم – نادٍ رياضي، قضاء وقته مع أصدقاء قدامى، إنشاء مضامين رقمية، وما شابه. إذا تابع ابنكم ممارسة هذه النشاطات، يُرجَّح أن يشعر بحماية وتواصل أكبر ويتمتع بقدرة جيدة على بحث مجالات اهتمام جديدة.

الثانية هي مساعدة ابنكم على التعرف إلى نشاطات جديدة للمرة الأولى، تثير تحديا لديه وتتطلب منه أن يضع أهدافا جديدة، ويتعرف إلى أصدقاء جدد – ربّما أن يتعلم العزف على آلة موسيقية، أو ينضم إلى مجموعة اجتماعية. بدلا من أن تختاروا هذه النشاطات لابنكم، أصغوا إليه واطلبوا منه أن يشارككم بالأمور التي يحبها أو لا يحبها، لكي تفكروا معا في مجالات اهتمام جديدة.

التغلّب على تقلّبات المزاج

لا يمكنكم حماية ابنكم من الشعور السيء، ولكن يمكن أن تحافظوا على تواصل مفتوح معه، تحافظوا على العلاقة، وتصغوا بشكل فعّال لما يحدث في حياته، فتعرفون بسهولة أكبر أسباب تقلباته العاطفية. من المهم جدا أن تتجنبوا الحكم على الأمور وانتقاد مزاج ابنكم المتغير، إذ إن هذا قد يثير الشعور بالذنب لدى المراهقين ويفاقم سوء حالتهم العاطفية.

في النشاطات الروتينية واليومية – مثل أخذ ابنكم بالسيارة إلى مكان معين أو غسل الملابس معا – يمكن أن يشارككم ابنكم بمشاعره. إليكم بعض الطرق الأخرى التي قد تساعد ابنكم على التعايش مع التقلّبات.

امنحوه مساحة

يطور الشبّان شعورهم بالاستقلال ويواجهون أمورا جديدة. عندما يقوم ابنكم بذلك، حاولوا أن توفّروا له الوقت والمساحة اللذين يحتاجهما، لكي يستطيع التفكير في مشاعره وتجاربه الجديدة. لا تحاولوا أن تفرضوا عليه التحدث معكم قبل أن يكون مستعدا لذلك، لأنكم قد تتسببون بحدوث نزاع. في كل ما يتعلق بالتحدث عن مواضيع هامة مع ابنكم المراهق، من المهم أن تعملوا بموجب المثل القائل “في التأني السلامة وفي العجلة الندامة”، وأن تجروا محادثة مشتركة عندما لا يكون ابنكم منفعلا جدا.

لا تقدّموا حلولا جاهزة

​إذا واجه ابنكم مشكلة، تحدثوا معه عن الحلول، ولكن على ابنكم أن يطرحها – يُرجَّح أكثر أن يعمل ابنكم بموجبها إذا شعر أنه هو الذي طرح الحل.

كما أنّ حل المشاكل هو مهارة هامة في الحياة، ويتعلمها ابنكم بشكل أفضل بمساعدة التجربة. ينقل استثمار الوقت والطاقة في تطوير مهارات حل المشاكل لدى ابنكم رسالة أنكم تحترمون رأيه فيما يتعلق بالقرارات التي تؤثر في حياته. فضلًا عن ذلك، يجب التذكر أن جزءا من المشاكل يجب حله تدريجيا (التدخين، استهلاك الكحول المزمن، تحسين التحصيل العلمي، ومواجهة الصعوبات الاجتماعية)، وليس بشكل فوريّ. يعني ذلك أنه يجب وضع أهداف واقعية، التحلي بالصبر، والاستعداد للتقدم نحو الحل خطوةً فخطوة. يجعل هذا التوجهُ المراهقَ يشعر بأنّ والدَيه يثقان به ويقلّل شعوره بالفشل الذي يختبره أحيانًا.

اعملوا معا على طرق للمواجهة

إحدى أهمّ المهام في سن المراهقة هي أن يتعلم ابنكم كيف يواجه بنفسه التقلبات العاطفية التي يمر بها. يكمن دوركم في مساعدة ابنكم على تطوير هذه المهارة الهامة.

في البداية، أعِدّوا معا قائمة بكل الخطوات التي يتخذها ابنكم عندما يكون قَلِقا أو منزعجا. ركِّزوا على الطرق التي تساعده أن يشعر أفضل أو أن يعالج المشكلة. تحدثوا معا عن الإمكانيات الجديدة. شجعوه على اختيار بعض الطرق التي يمكن تجربتها في المستقبل. مع مرور الوقت، ذكّروه أن يستخدم طرق المواجهة الجديدة هذه، وفكروا ما هي الطرق التي تنجح والتي لا تنجح.

كونوا قدوة شخصية

كيف تواجهون الفترات الصعبة؟ عندما يواجه ابنكم مشكلة، يَتوقَّع منكم أن توجّهوه وتُرشِدوه. فكروا كيف يراكم ابنكم عندما تواجهون المشاكل وتستخدمون طرقا للمواجهة. أنتم لا تزالون تشكّلون مثالا شخصيا هامّا لابنكم.

حافظوا على تواصل مع ابنكم المراهق، بهدف دعم نموّه الاجتماعي والعاطفي خلال تقلّبات سنّ المراهقة. اقرأوا مرشد لإدارة محادثات مع المراهقين لكي تعرفوا كيف تؤدي طرق مختلفة للحفاظ على التواصل إلى نتائج مختلفة.

ما الذي يحدث عندما يشعر الإنسان بالاكتئاب كل الوقت

قد تكون مشاعر الاكتئاب والمزاج السيء المتواصل علامة لحالة خطيرة أكثر. قد يشعر الشبّان بكآبة لبضع دقائق، ساعات، أيّام، أو أكثر. إذا كان ابنكم يبدو حزينا، مكتئبا، أو قلقا لمدة أسبوعين أو أكثر، أو إذا لاحظتم أن ابنكم لا يشارك في نشاطاته اليومية العادية بسبب مزاجه، قد يكون الحديث عن علامة لمشكلة صحية نفسية حادة أكثر. يجدر التذكر أنّ معظم الشبّان ينجحون في اجتياز سن المراهقة، رغم التغيّرات المذكورة آنفًا، دون أن يشعروا بتغييرات قصوى في المزاج ودون أن يتضرر أداؤهم بشكل كبير.

إذا كنتم قلقين من سلوك ابنكم ومشاعره، من المهم أن تتوجهوا لتلقي المساعدة من الطبيب/ الاختصاصي النفسي. ليس المزاج السيء الشديد جدًّا أو المستمر فترةً طويلة جزءًا طبيعيًّا من سنّ المراهقة.

قد تؤثر المشاكل النفسية في الأمد البعيد إذا لم تُعالَج. يمكن أن يتصل ابنكم بـ عيران” – مساعدة نفسية أولية هاتف 1201. هذه خدمة هاتفية مجانية وسرية للشبّان في مرحلة المدرسة الإعدادية فصاعدا. كونوا متيّقظين، وإذا شعرتم أن ابنكم يعاني من ضائقة لا تزول – توجهوا إلى طبيب الأطفال واطلبوا منه إحالة إلى اختصاصي مناسب.

 

تمت ملاءمة كافة محتويات الموقع للجمهور عامة.

© https://raisingchildren.net.au ، تمت ترجمة المعلومات وتحريرها بمصادقة موقع Raising Children Network.